في حوار مع الأهرام العربي الشيخ أحمد ياسين: السلام الحقيقي معناه الوحيد عودة الحقوق المشروع لأهلها

التاريخ : 2021-11-10

السبيل، العدد234، الثلاثاء، 26آيار-1حزيران، 1998م، ص11،

بعد جيل النكبة، وجيل المولوتوف، أتصور أن الجيل القادم بعد 40سنة هو جيل التحرير.

إذا أصبحت المواجهة الشعبية غير متيسرة، بعد تحصن الاحتلال خارج المدن، فلتستمر المواجهة العسكرية.

أجرت مجلة الأهرام العربي حواراً موسعاً مع الشيخ أحمد ياسين ولأهمية ما تضمنه الحوار تقوم السبيل بنشره كاملاً:

حين يقول الزعيم الروحي لحركة "حماس" إن فلسطين ستعود كاملة بعد40 سنة من الآن فلا يجب اعتبار ذلك أضغاث أحلام، وعندما يقول الشيخ أحمد ياسين إن مشروع الهدنة الذي طرحه مجرد فترة لالتقاط الأنفاس، فيجب علينا استقراء المستقبل.

وعندما يقول إن عودة الانتفاضة أمراً صعباً بعد اختباء الجندي الإسرائيلي وراء حصون آمنة فيجب أن نفتش أكثر في عقل هذا الرجل. هذا هو الشيخ أحمد ياسين. .الساعي سعياً حثيثاً وراء هدفين لا ثالث لهما: النصر أو الشهادة، حاورناه في الدوحة، وداخلنا ظن_ وبعض الظن إثم-أنه لن يقول جديداً بعد أن قال الجميع كل ما لديهم.

 

س: في منظورك الخاص، ما هو مستقبل عملية السلام في المنطقة على ضوء التداعيات التي نتجت عن اتفاق "أوسلو" ومن قبل مؤتمر مدريد.. وهل تعتقد بإمكانية التوصل إلى سلام حقيقي لا بين الفلسطينيين والعرب من ناحية والإسرائيليين من ناحية أخرى؟

ج: السلام الحقيقي لا يمكن أن ينهض إلا على العدل، والعدل معناه الوحيد عودة الحقوق المشروعة لأصحابها الحقيقيين، فإذا لم يتحقق هذا، فليس ثمة عدل، إن اتفاق أوسلو في منظورنا ليس اتفاق، لكنه اتفاق قوي وضعيف، واتفاق غالب ومغلوب، والغالب يفرض ما يشاء على المغلوب ويسلبه حقه ووجوده وحياته ويوم يعود الحق للشعب الفلسطيني، ويستعيد هذا الشعب وطنه يكون هنالك عدل، وبالتالي يكون هناك سلام.

 

س: لكن فضيلة الشيخ، هل تتوقع في المدى المنظور أن يتحقق هذا العدل.. أم أن هذا العدل يظل حلماً بعيد المنال؟

ج: بكل تأكيد يظل هذا العدل حلماً؛ لأن الجانب القوي في المعادلة هو المغتصب والمحتل، وما دام الجانب المغلوب ضعيفاً، فلا يمكن أن يحقق عدل في هذا العالم، ولا يعود الحق إلى أهله

 

س: إذاً ما استراتيجية " حماس" في التعامل مع هذه الحلم بعيد المنال؟

ج: لقد قلت وما زلت أقول لأن القضية الفلسطينية ظلت لفترة يطلق عليها وصف" النكبة". وهي الفترة التي ضاعت خلالها معظم فلسطين، ثم جاءت فترة بعد مضي 40 سنة برز فيها جيل جديد هو جيل الحجارة والمولوتوف، والبندقية والقنبلة، وبالتالي فإنني أتصور أن الجيل القادم بعد 40 سنة هو جيل التحرير إن شاء الله وسيعود الوطن والناس والأرض.

 

س: إلى هذا الحد فضيلتك تبدو متفائلاً بإمكانية عودة فلسطين الوطن والأرض والبشر؟

ج: بكل تأكيد.

 

س: ما مبررات هذا التفاؤل؟

ج: إن الله - سبحانه وتعالى - قال عن اليهود في كتابه" هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار"، لقد كان المسلمون يظنون أنهم لا يستطيعون التغلب على اليهود، وكان اليهود يظنون أن قوتهم لا يمكن التغلب عليها فجاءت الساعة التي دمروا أنفسهم فيها بأيديهم، هذا هو المستقبل الذي أراه، أنه سيتم تدميرهم بما يمتلكونه من أسلحة الدمار والفتك، وهي التي ستكون سبباً في دمارهم وانتهائهم، فهم يخزنون هذه القوة.

 

س: لكن من الذي سيستخدم هذه الأسلحة ضدهم.. هل هم العرب والفلسطينيون أم قوى أخرى؟  

ج: إن الله - سبحانه - كلفنا أن نعد ما نستطيع، ونحن باستطاعتنا البسيطة وجهنا مقاومة فعالة أقضت مضاجع العدو، ونحن على استعداد لأن نطور هذه المقاومة وهذا الجهاد إلى أقصى حد نستطيعه، والباقي على الله - سبحانه وتعالى - فمن يمنع أن تتفجر تلك القنابل التي يمتلكونها في فلسطين، ومن الذي يضع خط الدمار أو الزمان؟ ألم تكن الرياح والرمال والأرض جنوداً للرسول - صلى الله عليه وسلم-، وللمسلمين، إذاً نضع ثقتنا بالله سبحانه وتعالى، الذي يقول في محكم آياته: قل هل تربصون بنا الا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، فتربصوا إنا معكم متربصون" (التوبة52).

 

س: هل ترى فضيلة الشيخ، أن الأمة العربية والإسلامية مهيأة لدور حقيقي لتحقيق ذلك؟

ج: بكل تأكيد، فالأمة مهيأة لأن تنهض بدور فعال، وأنا لم أفقد ثقتي بهذه الأمة، فمن الذي حرر فلسطين من الصليبيين أليست الأمة العربية، أليست مصر وسوريا تحديداً عندما اتحدتا وكونتا قوة وجبهة قوية استند إليها صلاح الدين في معركته ضد الصليبيين وبالتالي فإن الأمة العربية والإسلامية مرشحة لهذا مرة أخرى في الوقت الراهن بيد أن ذلك يتطلب منها توحيد الصفوف وتحقيق المزيد من الحرية والعدالة لشعوبها حتى تتنزل الرحمة والنصر من عند الله -سبحانه وتعالى-.

 

س: مشروع الهدنة الذي طرحته غير مرة منذ خروجك من الاعتقال.. هل هو خيار استراتيجي أم خيار تكتيكي مرحلي؟

ج: في منظورنا الاستراتيجي نحن نريد الحصول على كامل حقوقنا في كامل ارضنا، لكن المنظور المرحلي يعني أن نقبل بمرحلة معينة تنعم المنطقة فيها بأمن وسلام مؤقتين في خلال سنوات معدودة يمكن أن تستريح فيها من تداعيات وويلات الحرب والدمار، ويستعيد شعبنا وجوده على قطعة من أرضنا" حتى يحكم الله والله خير الحاكمين"

 

س: لكن ثمة من يرى أن طرح هذه الرؤية ينطوي على تراجع عن ميثاق حماس تحرير كامل تراب الوطن؟

ج: هذا فهم خاطئ فالتراجع عن ميثاق حماس يحدث عندما نعترف ب" إسرائيل" ونتنازل عن حقوقنا في فلسطين، وذلك لم ولن يحدث وبالتالي فإن طرحنا لإمكانية القبول بهدنة مؤقتة لاستعادة جزء من الوطن، ودون التنازل عن حقوقنا لا يمثل أي نوع من التراجع في ميثاق حماس.

 

س: في ظل التدهور الحالي مع " إسرائيل" ورفضها تحت قيادة نتنياهو اعادة الحقوق الفلسطينية والتجاوب مع متطلباًت السلام.. هل تعتقد أن خيار الانتفاضة وارد حالياً كما كان الوضع في 1987؟

ج: بالتأكيد خيار الانتفاضة قائم، لكن تنفيذه يبدو من الصعوبة بمكان، فثمة اختلاف بين معطيات الواقع 1987، ومعطيات الواقع الراهن.

 

س: بمعنى؟

ج: بمعنى أننا كنا نواجه الجندي الإسرائيلي والدبابات الإسرائيلية في الشارع لكن الجندي الآن أنسحب إلى المستوطنات وإلى قلاع محصنة، وبالتالي أصبحت مواجهته صعبة، فقد أضحى في ظل هذه الوضعية هو المتمكن، وهو الذي يطلق الرصاص من مكان آمن، ولذلك فإن المواجهة الشعبية حالياً مع قوات الاحتلال تبدو في غاية الصعوبة ولا يمكن أن تستمر إلا المواجهة العسكرية.

 

س: هل القبول بنوع من الهدنة مع" إسرائيل" يعني القبول بإمكانية الحوار معها؟

ج: أنا لم أفتح حواراً مع " إسرائيل" ولا يمكن أن أفتح هذا الحوار مادامت السلطة الفلسطينية تحاورها، فإما أن تنتهي معها إلى حل، أو تغلق بمشروع الهدنة، فإنني احسب أنه من المستحيل أن تقبل به "إسرائيل" لأنها لم تتنازل وتقبل بما هو أقل في مفاوضاتها مع السلطة الوطنية، فكيف تقبل ما هو اكثر من ذلك معنا؟ أنني أود أن أؤكد عبر هذه الهدنة رغبتنا في السلام، وفي الوقت نفسه فإن المقاومة سوف تستمر ف" إسرائيل" هي التي تتحمل المسؤولية في حالة رفض الهدنة.

 

س: إن حركة حماس-فضيلة الشيخ-تثير نوعاً من الهواجس لدى أطراف عربية وإقليمية ودولية، خاصة فيما يتعلق بتوجهها نحو العنف والارهاب، والسؤال: هل بوسع حماس أن تغير هذه الصورة عنها عربياً؟

ج: إن أهلنا في الوطن الذين لديهم هواجس من الارهاب، يضعوننا في خانة " أننا نعاديهم"، بينما نحن لا نعادي أحداً، لا في الوطن العربي أو الوطن الإسلامي، ولا نتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية أو قراراتها، إننا نمد أيدينا لكل دولة في العالم بيضاء، فمن ساعدنا شكرناه، ومن لم يساعدنا عذرناه، ومن أساء الينا لا نبادله إساءة بإساءة، هذا موقفنا الواضح تجاه الدول العربية، ونحن نرفض العنف القائم في بعض البلاد العربية ولا نريد صداما في المنطقة يستنزف طاقاتها وجهدها ويفتح الباب للعملاء للإسهام في تخريب البلاد، واهدار إمكاناتها الاقتصادية، وذلك بالتأكيد ليس في صالح الشعوب العربية بالمرة.

 

س: إذاً فضيلتك ترفض العنف الذي تمارسه بعض جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي؟

ج: أجل إنني أرفض أسلوب العنف أدعو إلى الحوار، وأطالب الحكومات التي تريد أن توقف هذا العنف أن تعطي الشعوب مزيداً من الحرية ومزيداً من الحوار، ليكون ذلك أساساً يتم من خلاله حل المشكلات وتجاوز الاحتقانات القائمة في بعض بلداننا العربية.

 

س: أنت على رأس الهرم زعيماً روحياً لحركة حماس، وهناك المكتب السياسي، وهناك الجناح العسكري المتمثل في كتائب عز الدين القسام، ألا يشكل ذلك نوعاً من تعددية مراكز صناعة القرار في التنظيم الواحد؟

ج: ألا يوجد في كل دولة رئيس ومجلس وزراء ومحافظون وهناك أيضاً جيش ووزارة خارجية إلى أخره. .فهل يؤثر ذلك على تماسك الدولة؟

 

س: هل أفهم من ذلك أن حماس تطرح نفسها كسلطة موازية للسلطة الوطنية الفلسطينية؟

ج: لا..لا.. إن "حماس" حركة مجاهدة لها أجنحتها وفروعها، فهناك ما هو سياسي وما هو عسكري وما هو إقتصادي، وذلك لا يعني أنها مفتتة أو مجزأة، وإنما هي تعمل وفق وحدة واحدة، وما أود أن أركز عليه هنا هو أننا لا نقبل بأن نضع أنفسنا في خانة الصدام أو المواجهة مع السلطة الفلسطينية، ولا ننازعها سلطتها وكيانها فنحن لسنا في مرحلة تكريس سلطتنا إنما نحن نعيش ونواجه مرحلة تحرير وسنبقى نقاتل ونقاوم الاحتلال، حتى يتم لنا النصر أو الشهادة.

 

س: ما هدف حماس النهائي، وهل تضعون في اعتباركم إزالة " إسرائيل"؟

ج: إن هدفنا ما ألمحت إليه سابقاً يتمثل في تحرير كل فلسطين، ودولة الاحتلال كيان قام على الظلم، ولا يمكن أن يبقى شعبنا مشرداً، وبالتالي فإن" إسرائيل" كدولة يجب أن تزول، لكن ذلك ليس معناه أن نلقي باليهود في البحر وإبادتهم، بل يعيشون معنا مواطنين أهل ذمة في الدولة الإسلامية، إننا نريد إزالة الكيان السياسي للصهيونية في وطننا، في حين يبقى اليهود المواطنون لهم ما لنا وعليهم ما علينا.